#رمضانيات_29.. 

قبل نحو سنة وشهر من اليوم، جمعتني مهمة عمل بزميل سعودي فاضل، سألته خلالها عن المنطقة التي ينحدر منها، فأجابني أنه من منطقة المدينة المنورة وأنه ينحدر بالتحديد مِن قرية العِيص الواقعة على بعد مائتين وخمسين كيلومتراً شمالَ غرب المدينة …

بمجرد أن نطق زميلي باسم قريته أحسست منه بقُربٍ أكثر ، وذهبت بي الذكريات إلى منتصف ثمانينات القرن الميلادي المنصرم حيث كان الوالدُ رحمة الله عليه يعكف بالقرية على نظم سرايا النبي صلى الله عليه وسلم، ومِن بينها سريةٌ مشهورةٌ تُدعَى ببساطة “سرية العِيص” إشارةً إلى المكان الذي وقعت فيه …

إنها السريةُ التي أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العِيص في جمادى الأولى، من السنة السادسة للهجرة، وأمَّرَ عليها حِبَّه ومولاه : زيدَ بن حارثةَ، في مائة وسبعين من الصحابة، يعترضون عِيراً لِقُريش يقودها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف رضي الله عنه …

كان أبو العاصي زوجَ زينبَ رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن خالتِها هالةَ بنتِ خويلدٍ أختِ أمنا خديجةَ رضي الله عنها، وله مِن زينبَ : عليٌ الذي أرْدَفَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم فتحِ مكةَ وهو مراهقُ حينَها، وأمامةُ التي حملها عليه الصلاة والسلام وهو يُصلِّي، وعلى حملِه إياها في الصلاة بُنِيَت بعض أحكامِ ما لا يُبطِلُ الصلاة من الأفعال الخارجة عنها، يقول العلامةُ محمد فالْ بن محمذن بن أحمدْ بن العاقِل “بَبَّها” :

وابنِ أبِي العاصِي عَلِيٍّ الأغَرْ

سليلِ بنتِ النُّورِ يا لَلْمُفْتَخَرْ

أرْدَفَهُ أوانَ فتْحِ الحَرَمِ

مُراهِقاً بَحْرُ النَّدَى والكَرَمِ

وأُختِهِ أمامةٍ ذاتِ الوَفَا

حمَلها وسْطَ الصلاةِ المُصْطَفَى

وكان أبو العاصِي مِن أسْرَى قريش يوم بدر، وقد أُطلِق سراحُه في قصة مشهورة جداً، فيها أنه وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه زينبَ، فوفى بوعده، فقال فيه : «حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي»، ولأبي العاصي في ذلك شعرٌ جميلٌ روته كتب السِّيَر :

ذَكَرْتُ زَيْنَبَ بالأجزاعِ مِن إِضَمَا

فَقُلْتُ : سُقْيًا لِشَخْصٍ يَسْكُنُ الْحَرَمَا

بِنْتُ الأَمِينِ جَزَاهَا اللَّهُ صَالِحَةً

وَكُلُّ بَعْلٍ سَيَثْنِى بِالَّذِي عَلِمَا

رجع المسلون من تلك السرية سالِمين غانمين، ودخلَ أبو العاصي المدينة مُختَفياً، وأجارَتهُ زينبُ رضي الله عنها، وكان ما كان مما جاءَ في نظمِ السرية المُشار إليه آنفاً، فدونَكه :

وعامَ سِتٍّ في جُمادَى الأولَى

على الذي عنهمْ أتَى منقُولَا

سرِيَّةُ الحِبِّ ومَولَى المُصْطَفَى

زيدٍ وَكمْ أطْفَأَ شِرْكاً فانْطَفَى

للعِيصِ في سبعينَ زِيدَتْ بمائهْ

أصابِعُ العٌلَى إليهمْ مُومِئَهْ

يَعترِضُ العِيرَ التي قد قادَها

مُبارَكٌ به حوَت مُرادَها

وهْوَ أبُو العاصِي الفتَى نجلُ الرَّبيعْ

أمينُهُمْ إذْ يَشتَرِي وإذْ يَبِيعْ

فأخَذُوا العِيرَ وآبُوا سالِمِينْ

إلَى مدينةِ النَّبِيِّ غانِمِينْ

ودخلَ الصِّهْرُ على بنتِ النَّبِي

زوجتِهِ ذاتِ البهاءِ زينبِ

قد جاءَها حَيْرانَ مُسْتَجِيرَا

وإذْ أجارَتِ الفتَى أُجِيرَا

وقالَ خيرُ الخلْقِ مَن لهُ البُشَرْ

في ذاكَ قولاً عنهُ يعجَزُ البَشَرْ

ومنهُ : “إن شِئْـتُمْ فرُدُّوا مالَهُ”،

فامْتَثَلُوا حِينَئِذٍ ما قالَهُ

و”البَدَوِي” ذكَرَ ذَا في الغَزَواتْ

فَلْنَسْتَمِع لِنَظْمِهِ قبلَ الفَوَاتْ

(( وَسُئِلَ الإيمانَ كَيْ يَحُوزَا

مالَ قُرَيْشٍ وبه يَفُوزَا

فَهابَ أن يَبْدَأَ بِالخِيانَهْ

إيمانَهُ وَيَدَعَ الأمانَهْ

فَرُدَّ مالُهُ إليهِ أجْمَعُ

تِلْكَ الصَّهارَةُ بها يُسْتَشْفَعُ))

وَرَدَّ مالَهُمْ إلى قُرَيشِ

دُون خِيانَةٍ ودُونَ طَيْشِ

فاعْتَرَفُوا بِذلِكَ الوَفاءِ

لهُ، بِلا مَطْلٍ ولا جَفَاءِ

وأشْهَدَ القومَ علَى الشَّهادَتَيْنْ

وما توارَى بِالشَّهادَتَينِِ تَيْنْ

أدعُوكَ رَبِّ بِالنَّبِي وزينَبِ

وَزَوجِها وبِالفتَى حِبِّ النَّبِي

يَسِّرْ لَنا جميعَ ما تَيَسَّرَا

بِجاهِ مَنْ فوقَ السَّماواتِ سَرَى

تقبل الله صيامنا وصيامكم وقيامنا وقيامكم وضاعف لنا ولكم الأجر ،،،

عز الدين بن ڭراي بن أحمد يورَ