#رمضانيات_19

نظَمَ الوالدُ رحمة الله عليه، فيما نظمَ، ثلاثَ ألفياتٍ، إحداها في رسم القرآن الكريم، وأخرى في علم أصول الفقه، وثالثةٌ في علم البلاغة أو علم البيان كما يحلو لأهل هذه الربوع قولُه من باب تسمية الشيء ببعضه، فمن المعروف أن علم البلاغة يشمل علم البيان وعلمَي البديع والمعاني.

وقد تفضَّلَ أخونا الفاضل، مُحب العلم والعلماء: جُمعة الكعبي مِن دولة قطَر الشقيقة، بطباعة هذه الألفيات الثلاث وجمعِها في كتاب واحد، صدر عن دار الإسراء بنواكشوط عام ألفين وثلاثة وعشرين. جزاه الله خيرا عن الإسلام والمُسلمين.

أما ألفيةُ الرسم، فقد قام الوالدُ من خلالها بِتبسيط نظم الطالب عبد الله “ابَّاهْ” بن محمد الأمين الجَكَنِي في رسم القرآن، المُسمَّى “المُحْتَوِي الْجَامِعِ رَسْمَ الصَّحَابَةِ وَضَبْطَ التَّابِعِ”، والمعروف اختصاراً ب”رسم الطالب عبد الله”، وهو نظم مُكَثَّفٌ، اعتمد فيه صاحبُه رحمة الله على الإشارة والترميز، وقد حصل له من القبول، في موريتانيا وما جاورها، ما جعل عليه الاعتماد في دراسة هذا الفن المُبارك …

وقد أشار في أول ألفية الرسم إلى أنه اعتمد على شرح “رسم الطالب عبد الله” المعروف ب”مفتاح الأمان في رسم القرآن”، وصاحب هذا الشرح هو أحمد مالك حماد الفوتي الأزهري. وقد رتَّب الوالدُ ألفيتَه في الرَّسم على مقدمة وفصول عديدة، يقول في ديباجتها:

هـذا ولمَّا كـان رسْمُ الطالِـبِ
عبـد الإله مُنيَةً للطالـب

لِجَمْعِـهِ الأحكـامَ باختِـصار
فهْو مُنَى الأسماع والأبصارِ

لكنـه لـشدة الإيجـازِ
كاد يُـرى في حَيِّـزِ الإعجازِ

فلـــيس في الإمكـان أن يفــوزا
به سِـوَى مَن يفهـمِ الرُّمُوزا

أرَدتُ تطفـــيلا علـى بَرَكَــتِهْ
نظماً مُحاذياَ لَهُ فِي نُـكَـتِـــهْ

يفهمـــهُ الذكيُّ والبليـدُ
كما يَعِيهِ الـشيخ والوليـدُ

ومـا بـه فـــــــرَّقَ بــَــــينَ القـافِ
والغــينِ مـا أنا لــهُ بِقـــافِ

كما تركـــــتُ الفـــــرقَ بـــــينَ الصَّادِ
والسِّينِ إذْ لَــــسْتُ لَهُ بـِـصادِ

وشرحُه المَدعُوُّ “مِفتاح الأمَـانْ”
نظمتُ لُبَّـهُ فجـــــــاءَ كالجُمَـانْ

فَصارَ نظمـِـــيَ لِهــــذا الرَّسْمِ
وشرحِه شـرحاً بَهـِــــــيَّ الوَسْـمِ

أما ألفية الأصول، فقد نظمَ فيها كتابَ “جمع الجوامع” للإمام قاضي القضاة  تاج الدين تقي الدين بن السُّبكي الشافعي الدمشقي، مع زيادات من غيره، وقد ضمَّن فيه بعض نظم جَدِّه العلامة الشاعر امحمد بن أحمد يُورَ، المُسمَّى “سُلَّم الوُصولْ إلى مُهِمَّاتٍ مِن الأصولْ”، ونظمُ امحمدْ هذا نظمٌ فريدٌ يُقارب خمسمائة بيت، ومِن شأنه فائدةًَ وجودةًَ أنه سيكون موضوع رمضانية مُستقلة بحول الله وقوته. وهذا مقطعٌ مِن ديباجة ألفية الرَّسم :

نَظـــمٌ بِه علـمُ الأصُولِ حَــالِي
يحجـوه ذو الحِجا مِـن المُحـالِ

في ضِـمْنِهِ “جَمْـــــعُ الجوامِعِ” اجتمَعْ
فـَـدُرُّهُ المنثــــــورُ فيــــــه قـد لَمَعْ

وربمـا زادَ مِن الفوائـدِ
ما ظلَّ بـين النظم كـالفرائدِ

واللهَ أسـتعينُ لا سـِـواهُ
فيـه وفي تيـــسيرِ ما أهـْواهُ

حتى يكـون خالصاً لوجهِـــــــهِ
وخاليـاً مِـــن الرِّيَـــا وشِـبْهِهِ

هذا ونظمُ “سُـلَّمُ الوُصُــولِ
إلى مُهِمـَّــاتِ مِـنَ الأصُولِ”

وهْــوَ لِجَــدِّنا بـِه اسْـتَعَنْتُ
ضَـــمَّنتُ بعـــضَهُ، ومـا ضَــمَّنْتُ

مِنْــــهُ فقـد مَيَّزتُـــهُ بالحُمْرَهْ
ومَّيَـــــزَتـــْـه جَـودةٌ وشُــــــهْرَهْ

وبخصوص ألفية البيان، فالظاهرُ من مُقدمتها أنه نظمَها تلبيةً لطَلب أحدهم، وقد سمَّاهُ “دُرَر البيانْ على المعانِي والبيانْ” :

هذا وإني قد سُئِلت نظْما
مَن علَّ مِن مَعينه لا يظْمَا

فاستبعدَ المطلوبَ منِّي حالي
وظنه في حيِّز المُحال

لأنني بالجهل ذو اتصافِ
ولم يكنْ فهمي بِفهمٍ صافِ

وعلمُ هذا الفن في اندراسِ
فحَقلُه ما فيه من غِراسِ

وما قرأته على الأشياخِ
ولم أنِخ بذلك المُناخِ

لكنني فكرت في التسخيرِ
وفي عطاء ربنا الكثير

وأنه مبسوطةٌ يداهُ
قد عمَّ كل حادثٍ جداهُ

فقمت في امتثال ما قد قالوا
وعند ذاك خفَّتِ الأثقالُ

واللهَ أستعينُ في إتمامهِ
حتى يفوحَ المِسْكُ مِن خِتامِه

ما فيه من عُجْب يُرَى ولا رِيَا
بل هو خالصٌ لِرَبِّ الكِبريا

ونفعه يعُم كل سامعِ
حتى يكون مثل غيثٍ هامعِ

سمَّيتهُ بِدُرَرِ البيان
على المعاني وعلَى البَيَانِ

وقد التزم في ألفية البيان كُلها لُزومَ ما لا يلزم، وقد أشار إلى ذلك في خاتمتها حين يقول :

هنا انتهى نظم المعاني واضحا
يظل للدُّرِّ اللَّمُوعِ فاضِحا

ما فيه بيتٌ غيرُ بيتٍ لازِمِ
وإن تَـــكُنْ بِذاكَ غيرَ جازم

فلْتنْـــظُـــرَنَّ فيه بَيْتاً بَيْتَا
تَجِدْ مِنَ اللُّزُومِ ما ابْتَغَيْتا

تجدر الإشارة إلى أن بداية ألفية الرسم موجودة بخط الوالد وبقيتها بخط مُقرئ البلاد ومُجوِّدها: محمد الأغظف بن محمد سيدي حفظه الله ورعاه. أما ألفِيتا الأصول والبيان فهما موجودتان بخط ذي الخط الجميل: محمدن بن حامد المالكِي رحمة الله عليه.

تقبل الله صيامنا وصيامكم وقيامنا وقيامكم وضاعف لنا ولكم الأجر ،،،

عز الدين بن ڭرَّاي بن أحمد يورَ