مما يُروى بالتواتر وبسنَدٍ عالٍ أنه بُعيد وفاة “عَينينَ” ولْد “أبنُو المقداد”، قاضي مدينة سينلوي “انْدَرْ” بالسنغال، التقي العلامة الشاعر مُحمدن ولْد مُحمد بابَ ول أحمد يورَ بالشاعر المفلق مُحمدْ ولْد أبنُو ولد إحميدنْ الشقروي، وكانا صديقين… فقال مُحمدن مخاطبا محمدْ ما مضمونه: “كيفَ يتوفى علمٌ مثلُ عينين ولْد أبنُ المقدادْ و يترك شاعرًا مثلك دون أن ترثيه …” فأجاب محمدْ ولد ابنُو: “دونك القلم والورقة وأنا أملي عليك مرثية له إن شئتَ…” فرد محمدن عليه قائلا: “كأني بكَ قد أعددْتَها…” فقال مُحمدْ: “كلاَّ، وإني لأخيِّرُك في أي بحرٍ شئتَ وفي أي روي شئته…”، فما كان من مُحمدنْ إلا أن اختار بحر المتقارب وروي الضاد… فأملى عليه محمدْ ارتجالاً قطعة جميلة حفظتها لنا الذاكرة الأدبية لله الحمد

هو الموتُ صمْصامةٌ تُـنْــتَـضَى

تـُلبِّي القضاءَ على ما قضى

وتَجرِي علي مُـقتـضَي جَـرْيهِ

ففِي جَـرْيه مُقتضَى المُقتضَى

وبالسيد المرتضى مولعٌ

 كأن له الثأرَ في المرتضى

قضى الحِبر “عيْنِينَ” في داره

ولا غرو في داره إن قضى 

وقد قاد للصبر إسلامُنا

وقاد لنهج الرضا بالقضا

وكيف يَرُد البكا والعويلْ

وفرطُ التباريح خطبا مضى 

يُصيِّر مُسوٓدّٓ رأسِ الوليد

وإن كان في مهده أبيضا

وأنى تصون الدموعٓ العيونُ

وعين الزمان انثنى وانقضى 

ستبكي العلومُ و تبكي الحلوم

وتبكي البحار وتبكي الإضا

ويبكي القران ويبكي القِرى

وتبكي عليه القُرى والفضا

فلا يفرح الشامتون بهِ

فإن له منزلا مرتضى

وقد عُوِّض الخير من أهله

وخيرا من الدار قد عُوِّضا

يُلين السنين على المسلمين

إذا أجحف الخطب أو أجهضا

فتىً يهب الحاجٓ من جاءه

وصرّٓح بالحاج أو عرّٓضا

فداءٌ له كلُّ وجه عبوس

إذا ما أتته الوجوه الوِضا

وجوه الرجال الكرام الأٌلى

إذا ما تلقوا ظلاما أضا

وبارك فيهم وفي دارهمْ

ونالوا من الله حسن القضا

وما دام الحديث عن القاضي “عينينَ” وعن الشعر فلا مناص، والشيء بالشيء يذكر، من الوقوف مع قطعة من عيون الشعر العربي رثاه بها الشاعر المُجيد في اللونين الفصيح والحساني: أحمدو بمبَ ولد أحمد ولد المين:

ضاق الزمان فَغَطَّ العلمَ والدينا

حتى أذاقهما طعم الأمَرِّينا 

فساء ذلك أهل العلم فارتحلوا

في صحبة العالم النحرير “عينينا”

قاضٍ ترد صروفَ الدهر هيبتُهُ

ولا قرين له إلا الدواوينا 

وليس يثنيه عن مشهور مذهبهِ

ريب المنون ولا من بمِنِّينَى

يا ليل “عينينَ” يا إدمانَ هيْنمةٍ

مدًّا وهمزا وإشباعا وتنوينا 

يا جفنةً لا يكاد الباب يُدخلها

حتى يدور بها نحو الثمانينا 

عقلٌ لو أن به “يبْرين” قد وُزنتْ

لكان أرجح من مثقال “يبرينا”

ولَّى حميدا وأبقانا وحسرَتنا

فكيف نبكيه؟ لا بل هو يبكينا 

لكننا ما أقمنا بين أظهُرنا

محمدٌ فليهنِّينا معزينا

والقاضي “عينينَ” هو الذي قال فيه لمرابط امحمد ولد أحمد يورَ محتفياً بقدومه من الشرق الموريتاني حيث قضَّى فترة ومعزيا، في نفس الوقت، في وفاة أخيه القاضي “سليمان”:

إنا نهنئ هذا القادم الآتي

بمَرْحباتٍ طويلاتٍ عريضاتِ

إنْ غاظني زمني بالبين بعدكمُ

فاليوم أسرع في تحصيل مرضاتي 

وما الحياة بأرض لا ترون بها

إلا كمثل حياة بين حَيَّاتِ

يا ربِّ بارك لنا فيهمْ وأوْلهمُ

أسْنى الحياة وأحوالاً سنياتِ 

وامنح سُليمانَ من عين الرضى نُزُلا 

ومنزلا بين أنهار وجنَّاتِ

ثم الصلاة صلاة الله دائمةً

مع السلام على خير البرِياتِ

وأبناء “أبنو المقداد” المشتهرون هم : محمدن المعروف ب”دودو سَكْ” والقاضي سليمان والقاضي عينين وعبد الله والد العارف بالله “البكاي سك” وكلهم أهل فضل وعلم وأدب. وقد درس الثلاثة الأول كما درس والدهم من قبلهم على أهل ابير التورس وبالأخص على العلامة المانَه بن إلا بن المصطف بن بِلَّ وشقيقه “حَبَتْ”.

وكان والدهم “أبنو المقداد” قد أرسله والده “عبد الله الشيخ” إلى “إكيدي” مرافقا ومؤنسا لطالب علم سنغالي آخر اسمه “مام امباي امباي”، لكن همة هذا الأخير فترت عن طلب العلم ورجع أدراجه عائدا لبلاده، وبقي “أبنو المقداد” مع العلامة “المانَه” ينهل من معينه ومعين ذاك المحيط. 

ولما توفي “حماد آن” أخو “كُمْبَ آنْ” أم الثلاثة الأول من أبنائه المذكورين، استدعاه الفرنسيون إلى “اندر” ليخلفه في وظيفة الترجمة التي خلفه فيها بدوره ابنه محمدن “دودو سك علما”.

و”كُمبَ آن” المذكورة تسمى باسمها العديد من النساء في البلاد وذلك بدمج اسمها واسم أسرتها في اسم واحد هكذا : “كُمبانْ”.

وتجدر الإشارة إلى أن “ابنو المقداد” سماه والده “عبد الله الشيخ” على صاحب ” العيبة المقدادية”، و”عبد الله الشيخ” هذا أصوله موريتانية من منطقة “بوصَـيَـب” بولاية كوركول.

ولأهل ابنو المقداد عموما ذكر كثير في الموروث التاريخي والأدبي وغيرهما في اترارزة وفي البلاد عموما.

ففيهم يقول لمرابط امحمد :

الحمد لله إن الله أنزلني

دار الكرام فما أبغي بها بلدا 

فما مددت إليهم للنوال يدا

إلا ونلت نوالا عندهم ويدا

تنسيك “توضح” ف”المقراة” دارُهُمُ

ودار مية “العلياء” ف”السندا”

ويقول أيضا :

“أندَر ٌ ” فيه ما تحب النفوسُ

من نفيس لولا البعوض و”دوسُ

فيه أيدٍ كأنهن بحورٌ 

ووجوه كأنهن شموسُ

ولما قال محمدن “دودو سك” بيتيه الجميلين في تحية “إكيدي” :

سلم على “إكيدي” إن جئته

وحيه مني على بعده

وقل له إني مقيم على

ما يعلم الرحمن من عهده

أجابه لمرابط امحمد بقوله : 

أهلا وسهلا بسلام أتى

من شمس ذا العصر ومن فرده

ولا يفي بالفرض من رده

إلا سلام جاء من عنده 

ومن جميل الشعر الذي ينسب ل”ابنوالمقداد” والد الاسرة قوله :

دارٌ لأرمودَ دار اللهو واللعب

بيعت دراهمنا فيها على طرب

بيعت بما نشتهي من كل فاكهة

باللوز بيعت وبالرمان والعنب

دارٌ بها ضيع الأقوامُ فضتنا

بيضاء خالصة معروفة النسبِ

وهذا قليل من كثير يناسب ذكره في هذا المقام.

جمعتكم مباركة 

عز الدين بن گراي بن أحمد يورَ