مما يُحكى أن امحمدْ ولْ أحمد يورَ كان يومًا يقرأ لوحه عند معلمه مُحمدْ بن والدْ بن الحريري الأبهمي المعروف بلقبة “بـَـــبَّـا”، و كان امحمدْ قد سمع أبياتَ الشاعر الأمير تميم بن المعز التي يقول فيها :

لقيتُ في البركةِ نَـــيــْلـوفرًا

فقلتُ : ما شأنكَ وسْـــطَ البـِــرَكْ ؟

فقال لي : أُغْرِقْتُ في أدْمـُـعِي

واصطادني صيدُ الهوَى بالشَّركْ

فقلتُ : ما بالُ اصفرارٍ بَدا

فيكَ، وما هذا الذي غيـــــَّـــــــــرَكْ ؟

فقال لي : ألوانُ أهلِ الهَوَى

صُفرٌ و لوْ ذُقتَ الهوي صَـــفَّركْ

فاستحسنها وما كان منهُ إلا أن كتب علي لوحه أول محاولة له في الشعر الفصيح مُجاريا أبيات تميم في بحرها و رويها :

منازلُ المَيمونِ أقوت “ذَرَكْ”

إن لم تُبَكِّيها فما أصْبركْ

أمستْ لِسيدانِ الفَلا مَألفاً

وكلُّ حرثٍ مثلُ نونٍ عرَكْ

مِن بعد ما كانتْ بها خُـــرَّدٌ

يَصْطَدْنَنا مثلَ اصْطِيادِ الشَّرَكْ

لا طارِبٌ فيها و لا مُطرِبٌ

سبحانك اللهم ما أقدركْ

فلما رأى معلمه “بَـبّا” الأبياتَ مكتوبة علي اللوح، أراها والدة امحمد : امنيانَ بنت والد بن خالنا، فمحتها خوفاً عليه من العين، إلا قوله : “سبحانك اللهم ما أقدركْ” …

وكان مِن أول ما قال امحمدْ من الشعر بعد هذه القطعة الصوت الجميل :

مَغانٍ بذات الطَِّبل لا غبَّها الوبلُ

وَلا غبَّ أياماً مَضَيْنَ بِها قبلُ

بها ابتلَّ جفني والحَشا مُتَحَرِّقٌ

ورقَّ اصطباري بينها والهوَى عبلُ

غمزتُ بذات الطبل عيني عن البُكا

فجادتْ بأضعافٍ كما يُغمَزَ الطبلُ

وفيما يتعلق بديوانه بصفة عامة، يقولون إنه كان يَستحسن من شعره قوله :

إن لم تجُد بمَصُونٍ طالما احتبَسا

فقد سلكتَ طريقا في الهوى يَبَسا

هذا “المسيلُ ” الذي كنَّا بجانبهِ

نصبُو صباحًا إلى ما نشتهي و مَسا

قد هاج مثلَ الذي داوَى فأحسنَ مِن

وَجهٍ إليَّ وَمِن وَجْهٍ إليَّ أسَا

ذاب الفؤادُ فلولا الغِمدُ يُمسكه

عنِ المسيلِ على ظهر المَسيلِ لَسَا … لَ

ومن غريب ما يحكى عنه، أنه – أي امحمدْ -سمع ذات ليلة المغني الشهير امحمد بن انكذَيْ “لَعْوَرْ علماً” يشدو في جانب من الحي، فسأل ابنَه محمد بابَ عما يغنيه، فقال له : “يغني بِبَيتين يُينسبان لكم” وأنشده إياهما، فقال امحمد : “لقد قلتُ هذين البَيتَينِ على شاطئ النهر وأنشدتهما شاباً علوياً كان بجانبي، ولم أنشدهما أحداً بعده”. وما هذان البيتان إلا الصوت الشهير في حناجر الفنانين في منطقة الشاعر :

أيا نخلتَي “لُُورِينَ” إني على العهدِ

وإن كنتما مِنِّي على العهدِ في زُهْدِ

فمبلغُ جُهْدِي أنْ سَلامٌ عليكما

وليس يُلامُ المرءُ فِي مَبْلَغِ الجُهْدِ

ومما يُروى عن بعض العرفين بالأدب أن من أحسن ما قيل في النسيب من الشعر العربي قول امحمد في البكاء على بعض المواضع التي ألِفها في منطقة “الخَط” الواقعة الأن في مقاطعة المذرذرة بولاية اترترزة، تلك المنطقة التي يتميز شعره عليها وعلى ما يقع جنوبها بطابع خاص

تجري الدموعُ وما تجري على عارِ

بالربع من أمِّ عَمَّارِ بِ”َعمَّارِ”

سقى صحاريَ “عمَّار ٍ” وغيضتَه

و”الغَرْسَ” ذا النخلِ صوبُ المُدْلِج السَّاري

دارٌ أصابتْ صروفُ الدهر جِدَّتَها

وغيّرتْها بأرواحٍ وأمطارٍ

فكم أنِسْنا بِدارٍ ثَمَّ مُوحِشةٍ

كأننا بين أهلِ الدار في الدار

أحرَى المدامعِِ في الدنيا بِمَعذرةٍ

جارٍٍ على الربعِ أو جارٍ على جَارِ

ولن أنهي هذه الإطلالة – ما دامت التداعيات قادت إلى أدب امحمدَ في منطقة “الخَطْ” – دون استحضار قطعته الذائعة فيه، والتي تصل في بيتها الأخير إلى أعلى مستويات الصراحة الصادقة :

قف بالربوع التي بالخط أدراسا

لا عارَ في وقفة فيها ولا باسا

تُهدي إلى ذي الهوى من نَشْرِ ساكنِها

على التقادُمِ أنفاسا فأنفاسا

كانت سُرورا و أمستْ وهْي مُحزنةٌ

والدهر مِن صَرْفِهِ ما سَرَّ إلا سا

لا تعذلوني و واسوني بأدْمعكمْ

فأفضلُ الصَّحب عندَ الخطْبِ مَن واسَى

و أظلمُ الناس من يُهدي الملام إلى

مَن لم يُقاس من الأشواق ما قاسَى

مَنْ لم يرَ الخطَ مَمطورا و ساكنَهُ

فإنه ما رأى الدنيا و لا الناسا

عز الدين بن ڭراي بن أحمد يورَ