مصادقة اللجنة المستقلة للانتخابات على الجدول الزمني لها تدفعنا للتفكير العميق في مستقبل غرفتنا التشريعية، التي ظلت منذ بداية المسار “الديمقراطي” طبق عسل يتهافت عليه الذباب.
النائب البرلماني، هو من أقامه الشعب، الذي يتحمل المسؤولية الكاملة في اختياره، ليضع بدور تشريعي ورقابي، في حده الحدُ بين الفساد و الإصلاح، فله الحق في اقتراح القوانين و دراسة مشاريعها المقترحة من طرف الحكومة، و مراقبة أداء الحكومة و تصرفاتها و سياساتها العامة، و هو من له أن يضلع بدبلوماسية برلمانية توطّد دعائم الصداقات بين الشعوب.. مهامٌ هي قلب النظام الجمهوري النابض و المضغة التي إن صلُحت صلح الجسد الديمقراطي، و الجدار الفولاذي الذي يحمي الدستور من أن يغير عليه بياتاً أمثال الجنرال الأرعن محمد ولد عبد العزيز.. فهل يمكن أن يضلع بهذه المهام إلا ذو كفاءة علمية وعملية، يتحلي بروح وطنية طافحة، ويغلّب المصلحة العامة على مصلحته الخاصة، ؟!
اسألوا أنفسكم ماذا قدم البرلمانيون الموريتانيون لوطنهم عبر السنين..؟!.. فليس سوى نادِ لأصدقاء الحكومة الملاطفين، الساعين لودها، سعيَ قاصرات الطرف في رضا بعولتهن.. إصطبل لحيوانات الموالاة التي لاتفكر في غير بطونها و سوق عكاظ لشعراء البلاط و خطبائه، و مَرَادٌ لتشقيق الكلام و دغدغة عواطف البسطاء بالمواقف الحدية.. فتزغرد موالاته كالولائد عند كل قرار للحكومة، وتطير معارضته فرحاً عند سماع الريبة، و تدفن ما تسمعه من صالح في رمال ديماغوجية تحثو من الظلماء في عيون النهار..
البرلماني الموريتاني هو ذلك الشخص الذي تظاهر لدعم حرب “حماية الحوزة الترابية” أيامَ حكم ولد داداه، و نظم المسيرات الراجلة لدعم انقلاب ولد محمد السالك، الذي أوقف قتال “الأشقاء”، وهو الذي “هذّب الجماهير” أيام حكم ولد هيداله، و دعم تطبيقه “الشريعة الإسلامية”، و إعدامه لانقلابيي 16 مارس، ثم قاد المسيرات يومَ انقلب عليه رفيق دربه ولد الطائع، فظاهرَ “حركة تصحيحه”، و اعتبر “التصفية العرقية لإخوتنا السود” تطهيرا للبلاد من أدرانها.. قبل أن تهلل أساريره لاستيلاء اعل ولد محمد فال على السلطة، و تحييد العسكرين لقطار الحياد عن سكته بدعم “رئيس مؤتمن”.. و هو من أثنى على استقامة ولد الشيخ عبد الله قبل أن يثني عطفه مُدْبراً على عقبيه، عند الانقلاب عليه..
البرلماني الموريتاني هو وجه لكل الألوان و الأقنعة، و يدٌ لكل القفازات و الفصوص، و رِجْل لكل الأحذية و الجوارب.. هو وجيه القبيلة الذي لم يشفع له اكتساب و إنما انتساب، و لم يمكّن بعلم أو عمل، و إنما أسرع به تليد مجده حيث أبطأ به طريفه، و تقدمت به عظام أجداده حين أخرته عظام مثالبه..
نحتاج برلماناً يضلع بدوره التشريعي و الرقابي، فيحز في مفصلها ويصيب شاكلة رميّها و يضع هناءها مواضع النَقَب.. و لا نريده نادياً لتجار “شارع الزرق”. و مرابيي “شبيكو”، و المنقبين عن “الذهب”، من منفوخي الجيوب، الخلو من الثقافة و المبادىء ، أصحاب الأفئدة و القلوب الهواء..
نعوّل على الأحزاب السياسية في أن تنحاز لمصلحة الوطن، فتحسن اختيار مرشحيها. فهي مسؤوليتهم أمام الله، ثم أمام الوطن و التاريخ..