قرر الرئيس محمد ولد الغزواني أخيراً أن يتحدث للصحافة الموريتانية، و هو على هضبة رحيله من مأمورية أولى إلى ثانية.. هو أمر مؤكد كالأمس الدابر لأنه لم يُخلق بعدُ من يمكنه أن يرفس برجل انتخابية كرسي الحكم من تحت رئيس موريتاني.. كما لم يخلق رئيس موريتاني يتخلى عن الحكم طواعية.. فما كان اعل ولد محمد فال إلا مكرها على مغادرة السلطة، لم تسعفه مناورة ”البطاقة البيضاء“، التي استوحاها – ربما – من رواية ”البصيرة“ للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو..
بعد أربعة أعوام من الحديث إلى وسائل الإعلام الأجنبية قرر ولد الشيخ الغزواني فجاءةً أن يسمح لصحافته بالحديث إليه..
بالنسبة لي أتفهم إيثار ولد الغزواني للحديث مع أمثال إيف ثريارد و جاستين سبيجل عن محاورة محمد ولد الحسن و حمودي ولد صيبوط..
لكن ماذا لو أن الرئيس غزواني أصرّ فعلا على محاورة ولد الحسن و ولد صيبوط؟
ألن تكون أسئلتهم أكثر إثارة و إمتاعاً من تهويمات صحفيي ”تجمع المؤسسات الإعلامية الخاصة“ (الذي يحتكر العقود و الصفقات و تنسيق مقابلات الرؤساء الموريتانيين ومرافقتهم في رحلاتهم) .. على الأقل كان ولد حسن سيشبع فضولنا بمعرفة نادي كرة القدم المفضل لدى رئيس الدولة، في حين سيصرّ ولد صيبوط على الخوض في تفاصيلِ تفاصيلِ الدعم العمومي للصحافة.. و سيغمرانه بأسئلة تافهة تفقد الرجل صوابَه، فيقدم – ربما – على إقالة ولد بلال أو ولد احويرثي.. حيث يبدو أنه مهما تفاقمت أخطاء الرجلين فلن يقدم ولد الغزواني على إقالتهما إلا حين يغيب عن حسّه..
عادي! .. فمن حق ولد الغزواني أن يحب الرجلين لسواد عيونهما، تماماً كما يحب مظفر النواب الخمرة و اللغة العربية و الدنيا..
على الأقل سنكسب من مقابلة ”الصيبوطِيين“ أكثر مما سنكسبه من مقابلة ”التجمعيين“.. فسيخلصوننا من وزراء لا تنافسهم في قلة الجدوى غير أثداء الجِحاش أو أظافر القدمين.. كما سيمنحوننا فرصة الضحك من تفاهة اسئلتهم.. فالصحافة كالشعر الذي نتوخى منه مطربه أو مضحكه. فمن يدلف إلى الصفحة الأولى من خدمة ”موريتانيا الآن“ لن يعدم خبرا يستفيده أو عنوانا يقهقه لتفاهته.
لم تحظ مقابلة لرئيس دولة بما حظيت به تلك التي إجراها ”التجمعيون“ مع الرئيس غزواني من ضعف التفاعل..
لكن من يتحمل المسؤولية؟.. هل هو الرئيس الذي طلب الاطلاع على اسئلة ”التجمعيين“.؟ أم ”التجمعيون“ الذين وافقوا على أن يزودوه بأسئلتهم، و يرضخوا لاشتراطه عدم الاستفاضة في ”ملف العشرية“.؟
بالنسبة لي فإن الرئيس غزواني يستحق جزيل الشكر على موافقته على طلب مقابلته، و لكن قواعد السياسة ستملي عليه ضرورة أن يتصيّد اللحظة المناسبة، ويتوخى الوسائل التي تخدم غاياته.. وهو ما قام به، أما زملاؤنا ”التجمعيون“ فرَضوا من ”الغنيمة“ باستلام أجوبة مكتوبة، والتقاط صور توهم رائيها أنها حبسٌ لظلال لحظة مهنية.. و أكثر من ذلك كرّست الصورة التي يسعى ولد الغزواني لمحوها من أن اللغة العربية للبيظان أما اللغة الفرنسية فلذوي البشرة السمراء.
الصحافة الملتزمة، هي التي تكسر أصداف الحقيقة لتستخرج محارها، و ليست مساحيق لتجميل السياسيين أو منحهم فرصة التبرير و المحاججة..
يقول دليل وكالة رويترز الذي توزعه على مراسليها ”إذا أصرّ الشخص الذي تريد إجراء مقابلة معه على الاطّلاع مقدماً على الاسئلة فلتفعل ذلك إن كنت مضطراً، و لكن عندما يحين موعد المقابلة لاتشعر أن هذه هي الأسئلة الوحيدة التي تستطيع توجيهها“. أما شبكة الصحفيين الدوليين فهي أكثر تشددا في توصيتها بـ“عدم تقديم الأسئلة بتاتاً لمن تُجرى معهم المقابلات و إن كان لا بأس في تقديم فكرة عامة عن مواضيعها“…
أما زملاؤنا ”التجمعيون“ فذهبوا أبعد من ذلك، حيث أجروا ”اختباراً كتابيا“ للسيد الرئيس، فسلّموه أسئلة سلّمهم أجوبته لها.. أما نحن المتابعين فلا نزال ننتظر انتهاء التصحيح، و إعلان نتيجة الاختبار.