السالك زيد
عام 1974 رزق رجل الأعمال مولاي عباس بوغربال وزوجته ريتا، بابن أطلقا عليه مولاي عبد العزيز، وذلك في مدينة لينينغراد الروسية التي تعرف حالياً بـ”سانت بطرسبرغ”.
انتقل الأب بابنه من المدينة التي تقع على دلتا نهر نيفا في روسيا، وتعد ثاني أكبر مدينة روسية، إلى مدينة نواذيبو، التي تقع على شاطئ المحيط الأطلسي وهي ثاني أهم مدينة في موريتانيا وتعتبر العاصمة الاقتصادية للبلد، وموطن السفن والصيد وأنواع الأسماك الأغلى عالمياً.
في العاصمة الاقتصادية نواذيبو بدأ مولاي عباس بوغربال الأب، مزاولة الاستثمار في السمك ومشتقاته، ليلتحق به مولاي عبد العزيز بوغربال الابن، لكن الأخير أضاف إلى استثماراته مجال كرة القدم.
ارتبط اسم الابن مولاي عبد العزيز باسم والده من أول شركة “أوف شور” تم إنشاؤها عام 2005، حيث تقاسما أسهمها، لكن الابن تطور بعد ذلك، ليقف مع نفسه في كل الشركات الأوف شور التي يؤسسها بعد ذلك.
نكشف في هذه التحقيق الذي أعد بالتعاون مع “الاتحاد الدولي للصحافيين” و الذي ينشر في موريتانيا على صحيفة تقدمي، من خلال مشروع وثائق باندورا، عن أعمال عباس وعبد العزيز بوغربال، ابتداء من مذكرة توقيف دولية ضد الأب، وتحويلات مالية بملايين الدولارات إلى جنات ضريبية يقوم بها الابن.
عباس بوغربال
ارتبط مولاي عباس بوغربال بعلاقة قوية مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، المتابع حاليا قضائيا بتهم من بينها الإثراء غير المشروع وغسيل الأموال.
عام 2018 وشحه بوسام فارس في نظام الاستحقاق الوطني، خلال فعاليات تخليد الذكرى 58 لاستقلال موريتانيا.
وكرمته الاتحادية الوطنية لكرة القدم، بعدها بعام، في حفل تقديم جوائزها السنوية، بصفته أحد أكبر داعمي كرة القدم محلياً.
نسج عباس بوغربال علاقات وطيدة بأهل النفوذ في مجال السياسة وكرة القدم، وقدم نفسه للموريتانيين بصفته رجل الأعمال الوطني، الذي يساهم في تحسين الاقتصاد وامتصاص البطالة ومساعدة المواطنين.
إضافة إلى كونه لعب دوراً كبيراً في مساعدة نظام ولد عبد العزيز، في كل الانتخابات التي خاضها، مقدماً الدعم المالي لحزب النظام، مع عدد من رجال الأعمال المقربين من الرئيس والباحثين عن الحفاظ على مصالحهم.
لكن خلف هذه الصورة الجميلة التي يعمل عباس بوغربال على صنعها عند سكان نواذيبو خصوصاً، والموريتانيين عموماً، وتروجها مواقع إخبارية موريتانية، هناك صورة أخرى مختلفة تماماً، لا يعرف الموريتانيون عنها كثيراً، بل إن كثراً منهم نسوها في ظل توهجه في مجال المال والأعمال والسلطة.
مطلوب دولياً
تعود بداية ظهور اسم عباس بوغربال في موريتانيا بقوة، إلى عام 2004 حينها كان يدير “شركة تطوير الصيد” في مدينة نواذيبو، وكان أنشأ شركة قبل ذلك وهي SEPH 1998، يشغل ابنه مولاي عبد العزيز بوغربال منصب مديرها العام، وهي مختصة في صنع دقيق السمك.
عام 2006 حصل على قرض لشركته SEPH بمبلغ 4 ملايين دولار، من صندوق الأوبك للتنمية، وذلك لتوسيع عمليات مصنع تجهيز الأسماك، مع الاستحواذ على عدد من سفن الصيد، ويشكل هذا القرض جزءاً من تمويل بقيمة 9.5 مليون دولار أميركي.
وقع الاتفاقية بين الصندوق والشركة مولاي عبد العزيز بوغربال، بوصفه مديراً لها.
تظهر الوثائق التي حصل عليها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” وشاركها مع أكثر من 600 صحافي يعملون في 117 دولة، من بينها موريتانيا، أن عباس بوغربال قام قبل 16 عاماً بالاستيلاء على ثلاث سفن صيد تعود ملكيتها للاتحاد الروسي وذلك في آب/ أغسطس 2004 بالتحديد، وكانت هذه السفن تعمل في المياه الإقليمية الموريتانية.
السفن هي Captain Kononov وYuozas Aleksonis وTrawlmeister Mogutov، وتؤكد الوثائق ملكيتها لروسيا الاتحادية.
قام مولاي عباس بوغربال في أيار/ مايو 2005 ببيع السفن إلى شركة Oceanos Shipping Corp ومقرها في بليز في أميركا الوسطى، على رغم وجود قرار من المحكمة العليا الموريتانية، بتجميد قضية السفن، حتى تحديد ملكيتها النهائية.
وفي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، راسل مكتب المحاماة الذي يمثل روسيا الاتحادية الشركة، يحذرها من المعاملات غير قانونية بخصوص السفن، المتنازع عليها قضائياً.
لكن الشيء الذي اكتشفناه أثناء التحقيق في هذا الموضوع، كان مثيراً للانتباه، إذ تكشف الوثائق أن الشركة التي اشترت السفن، وحذرها مكتب المحاماة من ذلك، يمتلك رجل الأعمال عباس بوغربال 50 في المئة من أسهمها.
قبل بيع السفن بعام، أي في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2004، قام Kadim Tsakalov وهو روسي الجنسية في لاس بالماس بتوقيع طلب دمج شركات “أوف شور” في دولة بليز في أميركا الوسطى وهي من الملاذات الضريبية المعروفة.
تم دمج ثلاث شركات وهي OCEANOS SHIPPING CORP وNEOMATIC S.L. LTD وKappa International LTD برأسمال بلغ 50 ألف دولار، يتقاسم عباس بوغربال أسهم الشركة بالتساوي مع ابنه مولاي عبد العزيز بوغربال.
أوصلت روسيا الاتحادية قضية السفن، إلى المحاكم في دولة “بليز” حيث مقر الشركة التي يتقاسم أسهمها عباس وعبد العزيز، وتخضع لقانون الشركات في بليز.
استطاعت روسيا أن تصدر مذكرة توقيف دولية من الانتربول، ضد رجل الأعمال مولاي عباس بوغربال، على إثر قضية الاستيلاء على السفن، بحكم من محكمة مقاطعة لومونوفكسي، بتهمة الاحتيال.
مولاي عبد العزيز بوغربال
يشارك مولاي عبد العزيز والده في الكثير من أعماله، إذ يحضر اسمه مرافقاً لاسمه في بعض الوثائق المتعلقة بشركات “أوف شور”، وفي ملفات شركات داخل موريتانيا عاملة في مجال الصيد.
غير أن مولاي عبد العزيز، أضاف إلى الاستثمار في مجال الصيد، الاستثمار في مجال كرة القدم.
يمتلك مولاي عبد العزيز بوغربال نادي “أف سي نواذيبو” وهو أحد أكبر وأقوى الأندية في الدوري الموريتاني الأول لكرة القدم، وهو يوفر أعلى رواتب للاعبين.
وفر للنادي جهازاً فنياً أجنبياً متكاملاً، وهو النادي الوحيد في موريتانيا الذي استطاع أن يكون جهازه الفني من خارج البلد.
هذا الدعم الكبير جعل النادي يشارك في منافسات قارية للأندية، ويخوض معسكرات تدريبية في تركيا وإيطاليا وبلدان أخرى، وهو الأمر الذي لا تحلم به معظم أندية الدرجة الأولى في موريتانيا، بسبب ضعف الموارد وغياب التمويل.
اهتمام مولاي عبد العزيز بناديه وتوفير الدعم المادي له، جعلاه الأكثر تتويجاً بلقب الدوري الموريتاني الأول، إضافة إلى فوزه مرات عدة بكأس رئيس الجمهورية.
الإنفاق على النادي ليس سوى واجهة، تتوارى خلفها أعمال أخرى من بينها إنشاء شركات “أوف شور” وإرسال الأموال إلى جنات ضريبية.
بشكل معلن، يدير مولاي عبد العزيز شركتين، الأولى يمتلكها والده وهي SEPH أما الثانية فهي Omaurci SA التي تعمل في مجال دقيق السمك، ومقرها في نواذيبو، تقدر أرباحها بـ27.72 مليون دولار أميركي.
لكن مولاي عبد العزيز يدير شركات أوف شور بشكل غير معلن، وذلك للحصول على حسابات مصرفية في جزر العذراء، أحد الملاذات الضريبية في أوروبا.
تكشف الوثائق التي قمنا بمراجعتها، أن مولاي عبد العزيز عمل ابتداء من 2017 على الحصول على حسابات مصرفية لشركات “أوف شور” في بنك VP bank Switzerland.
بداية شركات الأوف شور التي يملكها مولاي عبد العزيز كانت بـVeiga traiding and seafood inc، وذلك عام 2017. في تقديم طلب إنشاء الشركة، أكد مولاي عبد العزيز أنه يريد حيازة حساب مصرفي في VP Bank من أجل إيداع مبلغ يتراوح بين 350 و400 مليون دولار.
وعام 2018، دفع مولاي عبد العزيز آلاف الدولارات لشركة trident trust وذلك لإنشاء شركات “أوف شور” أخرى وهي:
Marca Services SA وFrenso Trading inc وProfifish meal and oil S.A وTrenso Trading inc.
هذه الشركات بحسب الوثائق كانت من أجل الحصول على حسابات مصرفية، لكل منها مبلغ محدد، حيث حدد لشركتي Marca Services وTrenso Traiding مبلغ 200 مليون دولار لكل حساب مصرفي.
امتلك مولاي عبد العزيز إلى جانب والده مولاي عباس قبل إنشاء هذه الشركات، شركة “أوف شور” في بليز عام 2005 وهي FINEMORE INVESTMENTS TRADING CORPORATION، وتم تسجيلها في هذا العنوان 35 Barack Road Beliz City وهو العنوان الذي يحمل عشرات شركات “الأوف شور” من مختلف الدول، لأصحاب التهرب الضريبي.
الفساد في موريتانيا
“سنسهر على مواصلة محاربة الفساد، واستحداث آليات قانونية للقضاء على الرشوة والممارسات المخلة بالحكامة الرشيدة”.
هكذا تعهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في خطابه يوم تنصيبه عام 2014 للمرة الثانية رئيساً للجمهورية الإسلامية الموريتانية.
إلا أن وثائق باندورا التي عملنا على تحليلها وتقصي أخبارها، كشفت عن ارتباطه الوطيد بكل رجال الأعمال الذين وردت أسماؤهم في الوثائق، بل إنه استغل سلطته لمساعدة بعضهم في الحصول على عقود عمل كبيرة، وإنشاء شركات عملاقة.
الفساد هو الوباء الذي يجعل موريتانيا في صف الدول الفقيرة في العالم، على رغم ثروتها الطبيعية الكبيرة، مثل الحديد والذهب والسمك وغيرها، هكذا يقول كل مواطن في البلد المنعزل عن العالم في أقصى شمال غربي القارة السمراء، على شاطئ المحيط الأطلسي.
رجال بين عشية وضحاها يقفزون من عاطلين من العمل، إلى قمة رواد الاستثمار والأعمال، ومؤسسات تابعة للدولة، تنهب ميزانياتها رويداً رويدا حتى تتدهور وتعلن إفلاسها.
وآخرون يخفون رؤوس أموالهم في جنات ضريبية بعيداً من أعين الحكومات وإدارة الضرائب.
حالة ساهمت في تصنيف موريتانيا عام 2019 في المرتبة 137 عالمياً في مؤشر الفساد، خلف لبنان وأمام جزر القمر، لتقفز قليلاً عام 2020 إلى المرتبة 134.
التهرب الضريبي، وإخفاء الأموال من خلال شركات “أوف شور” ليس من الأمور التي يتم الحديث عنها في موريتانيا، لكن وبحسب وثائق باندورا تبدو عملية معروفة عند الكثير من رجال الأعمال، ويعمل بها سراً.
يعتبر المحامي سيد المختار سيدي أن اللجوء إلى الملاذات الضريبية ليس جريمة بحد ذاته، إلا أن هذا العمل قد يصاحبه إخفاء جنسية الشركة وهو ما يعتبر جريمة في القانون الجنائي للشركات والقانون الضريبي.
ويؤكد سيد المختار أن التحويلات المالية للعملة الصعبة، إذا لم تحترم قواعد النزاهة المصرفية، تعتبر فعلاً إجرامياً تترتب عليه إثارة المسؤولية الجنائية والمدنية.
تجاهل كل من عباس بوغربال ومولاي عبد العزيز بوغربال الرد على الأسئلة التي وجهناها إليهما عبر البريد الإلكتروني، حول المتابعة الدولية للأب وتهمة التحايل التي اتهم بها، وعن سبب إنشائهما هذه الشركات في جنات ضريبية.
عدنا إلى المحامي سيد المختار سيدي، حول موضوع الشركات خاصة إذا كانت وهمية، فأشار إلى أنها تعتبر تزويراً وتهرباً ضريبياً.
أما وزير العدل في عهد الحكومة الانتقالية التي حكمت عام 2005 محفوظ ولد بتاح، وهي الفترة التي اتهم فيها مولاي عباس بوغربال بالاحتيال وصدرت ضده مذكرة دولية، فقد نفى لنا علمه بهذه القضية:
“لا علم لي بقضية من هذا القبيل تعني رجل الأعمال الذي ذكرت”.
كمحاولة يائسة للحصول على إجابة راسلنا مولاي عبد العزيز بوغربال عبر الهاتف و”واتس آب،” لكنه واصل تجاهل الرسائل.