نحو سياسة هجرة متوازنة
في سياق إقليمي متوتر، حيث تغذي الأزمات الأمنية والاقتصادية والمناخية تدفقات هجرة متزايدة، اختارت موريتانيا انتهاج سياسة للهجرة تتسم بالاتساق والوضوح، وتتطلع بثبات نحو الاستقرار.
وأمام التحديات التي تعصف ببيئتنا الساحلية وغرب إفريقيا، ترفض بلادنا الحلول السهلة، وتدافع عن نموذج يرتكز على ثلاثة أعمدة: السيادة، التضامن، والتعاون.
موقع جيواستراتيجي فريد
موريتانيا، بحكم موقعها الجغرافي كحلقة وصل بين إفريقيا جنوب الصحراء، والمغرب العربي، وأوروبا، تقف في صميم ديناميات الهجرة في القارة.
إن هذا الموقع يعرضها لتحديات جمة، لكنه يفرض عليها أيضًا مسؤولية إدارة هذه الحركات البشرية ضمن إطار من النظام والشرعية واحترام الحقوق الأساسية.
وقد اعتمدت موريتانيا منذ سنوات سياسة للهجرة أكثر تنظيمًا، ترتكز على تحسين إدارة تدفقات المهاجرين، وتعزيز قدرات الرقابة على الحدود، واعتماد نهج أمني متوازن يحترم تشريعاتنا الوطنية والاتفاقيات الدولية.
استجابة إنسانية لأزمة معقدة
تستضيف موريتانيا اليوم آلاف المهاجرين واللاجئين، بعضهم فارٌّ من انعدام الأمن والعنف في الساحل، وآخرون قدموا من غرب إفريقيا بحثًا عن حياة أفضل.
في باسكنو، على الحدود مع مالي، وفي نواذيبو، على ضفاف الأطلسي، تعمل أجهزتنا الإدارية وقوات أمننا بالتعاون مع شركاء دوليين لضمان استقبال كريم وإنساني وآمن. ومع ذلك، فإن موريتانيا ليست معنية بأن تتحول إلى معسكر مفتوح. فهي تتصرف وفق إمكاناتها، في بيئة هشة، وتناشد تضامنًا دوليًا أكبر، خصوصًا من الدول الشمالية.
لا مقاول ولا حارس حدود: شريك مسؤول
موريتانيا ليست حارس بوابة أوروبا.
سياستها في الهجرة سيادية بامتياز.
إنها تعالج قضايا الأمن الوطني، لكنها تنبع كذلك من التزامها الإفريقي: مرافقة التنقلات البشرية مع صون الكرامة، ومحاربة شبكات الاتجار بالبشر، وتشجيع العودة الطوعية الآمنة إلى البلدان الأصلية.
ومن خلال الحوارات الثنائية وآليات التعاون، تدافع موريتانيا عن مقاربة تقوم على المسؤولية المشتركة، حيث لا تبنى الشراكات على الخوف من وصول المهاجرين، بل على بناء حلول دائمة: تشغيل الشباب، التنمية المحلية، والاستثمار في مناطق الانطلاق.
شراكة متوازنة مع أوروبا
في علاقاتها مع شركائها الأوروبيين، تؤكد موريتانيا على تمسكها بتعاون ديناميكي ومتوازن، قائم على الاحترام المتبادل والحوار الصادق والمسؤولية المشتركة.
وهي تشيد بالتقدم المحرز مع الاتحاد الأوروبي في مجال إدارة الهجرة، وتؤكد رغبتها في تعزيز هذا الشراكة الاستراتيجية بروح من الثقة والمصلحة المشتركة.
موريتانيا مقتنعة بأن آليات التعاون يمكن أن تسهم في بناء حلول مستدامة ومربحة للطرفين، عبر التوفيق بين متطلبات الأمن وأولويات أساسية أخرى مثل التنمية المحلية، وإدماج الشباب اقتصاديًا، وتعزيز القدرات الوطنية، ودعم مناطق الانطلاق والعبور.
وبوصفها شريكًا ملتزمًا، تجدد موريتانيا استعدادها للعمل المشترك مع أوروبا لتحويل الهجرة إلى رافعة للتنمية لا إلى مصدر توتر.
وتبنى سياسة موريتانيا للهجرة، على احترام السيادة الوطنية، كما تقوم على مقاربة تشاركية، حريصة على التوازنات الوطنية، ومنفتحة على التعاون الإقليمي والدولي.
إنها تدعو إلى شراكة جديدة، قائمة على الثقة والإصغاء والتضامن، قادرة على التعامل مع ديناميات الهجرة بكل تعقيداتها، عبر معالجة الأسباب العميقة كما النتائج الظاهرة، لصالح شعوب الضفتين.
روح أفريقية للالتزام
إلى أولئك الذين يتساءلون داخل القارة الإفريقية عن مغزى هذا الالتزام، تؤكد موريتانيا أن دبلوماسيتها تظل متجذرة في خيارها الإفريقي.
وهي تتحرك انطلاقًا من قناعة راسخة بأن تحديات الهجرة تستدعي حلولًا إفريقية، تقوم على الشراكة، بروح من التضامن والكرامة والتكامل القاري.
إن موريتانيا تدعو إلى تعزيز القدرات الإفريقية على التحكم في دينامياتها الخاصة، في إطار حوار صادق مع كافة الشركاء.
نحو حوكمة إقليمية للهجرة
تدعو موريتانيا إلى حوكمة تشاركية للهجرة على مستوى غرب إفريقيا. فلا دولة تستطيع أن تواجه هذه التحديات بمفردها.
ولهذا تدعم موريتانيا تنسيق السياسات الإقليمية للهجرة، وتعزيز التعاون الأمني على الحدود، ومحاربة شبكات التهريب والاتجار بالبشر بشكل مشترك.
وتدعو موريتانيا إلى تغيير النظرة إلى الهجرة:
فلا ينبغي النظر إليها فقط كأزمة ينبغي احتواؤها، بل كفرصة للتنمية، ولتنقل الكفاءات، وللتكامل الإقليمي.
ستواصل موريتانيا سياستها للهجرة المرتكزة على محاربة شبكات الاتجار بالبشر بلا هوادة، وتعزيز الهجرة المنتظمة والآمنة والمنظمة، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي، وبالتعاون مع شركائها الدوليين.
إن هذه السياسة ستُنفذ بروح من المسؤولية والإنسانية، مع الاستمرار في الدعوة إلى شراكة متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل.
فالهجرة، حين تدار بحكمة، يمكن أن تتحول إلى فرصة عظيمة — لإفريقيا، ولأوروبا، وقبل ذلك كله، للرجال والنساء الذين يحملون أحلامهم على أكتافهم.
*****
وزير الخارجية الموريتاني