في خطوة مفاجئة، أعلنت غانا قطع علاقاتها مع “البوليساريو”، ما أثار جدلًا واسعًا حول تأثير هذا القرار على النزاع الطويل حول الصحراء الغربية. هذا التطور يسلط الضوء على التغيرات السياسية والدبلوماسية التي تشهدها القارة الإفريقية، ويعيد تشكيل المشهد الإقليمي والدولي في هذا الملف.

تحول إقليمي يعزز عزلة “البوليساريو”

نوفل البعمري/ محامي وباحث في ملف الصحراء

نوفل البعمري/ محامي وباحث في ملف الصحراء

اعتبر نوفل البعمري، الباحث المختص في ملف الصحراء، في تصريح خاص لقناة TTV الإلكترونية، أن قرار غانا بقطع العلاقات مع “البوليساريو” يمثل تحولًا إقليميًا يعكس دعمًا متزايدًا لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب.

وأكد البعمري أن “37 دولة إفريقية ترجمت دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية بفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، مما يساهم في تكريس عزلة سياسية وإقليمية لما أسماه “كيان البوليساريو” داخل القارة الإفريقية.”

وأضاف أن هذا القرار يعزز الرؤية المغربية للنزاع، حيث يسعى المغرب إلى تثبيت خيار الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي وذي مصداقية، وهو ما أقرته الأمم المتحدة، وفق تعبيره.

وأشار البعمري إلى أن هذا التحول الإقليمي يعود إلى استراتيجية دبلوماسية مغربية محكمة، ترتكز على تعزيز الشراكات الاقتصادية والسياسية مع الدول الإفريقية، مما يجعلها ترى في المغرب شريكًا رئيسيًا لتحقيق التنمية والاستقرار الإقليمي، حسب تعبيره.

الصمت الصحراوي وانتظار تغير الإدارة الغانية

اسماعيل ولد يعقوب ولد الشيخ سيديا/ خبير في الشأن الإفريقي

اسماعيل ولد يعقوب ولد الشيخ سيديا/ خبير في الشأن الإفريقي

من جانبه، أوضح إسماعيل الشيخ سيديا، الباحث المختص في الشؤون الإفريقية، في تصريح لقناة TTV الإلكترونية، أن قرار غانا جاء في نهاية عهدة الرئيس اليميني، مما قد يجعله قرارًا مرحليًا أو قابلًا للتراجع مع تغير الإدارة السياسية.

وقال ولد الشيخ سيديا: “الصمت الذي تلتزمه البوليساريو تجاه هذا القرار يُعتبر تكتيكًا استراتيجيًا، بانتظار الموقف الرسمي للإدارة الجديدة في غانا التي طالما كانت داعمة لتقرير المصير.”

وأشار  ولد الشيخ سيديا إلى تجارب مشابهة، مثل ما حدث في كينيا عندما اتخذت قرارًا مماثلًا ثم تراجعت عنه لاحقًا، وأضاف: “المعركة الدبلوماسية بين المغرب والبوليساريو لا تزال مستمرة، وتتميز بطبيعة الكر والفر، حيث تتحكم المصالح السياسية والاقتصادية في مواقف الدول.”

الجزائر ودورها في النزاع

لا يمكن الحديث عن النزاع دون الإشارة إلى الدور المحوري الذي تلعبه الجزائر كداعم رئيسي للبوليساريو. ولد الشيخ سيديا أكد أن “الجزائر ظلت تحتضن اللاجئين الصحراويين منذ منتصف السبعينيات، وتعتبر القضية الصحراوية جزءًا من سياستها الإقليمية.”

وأضاف أن “الدعم الجزائري يمثل عاملًا أساسيًا في استمرار النزاع، إلا أن التحولات الإقليمية والدولية تجعل الجزائر تواجه تحديات متزايدة في الحفاظ على موقفها كداعم رئيسي للبوليساريو.”

تأثير القرار على مآل النزاع

رغم رمزية قرار غانا، إلا أن ولد الشيخ سيديا يرى أنه “لن يكون له تأثير كبير على مسار النزاع بالنظر إلى عمق الأزمة وتعقيداتها. فالقضية الصحراوية ظلت ضمن أروقة الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار منذ عقود، ولا تزال القرارات الدولية المتعلقة بها قيد التنفيذ.”

وأشار  اسماعيل إلى أن “الرهان الأساسي للبوليساريو ليس فقط على الدعم الدبلوماسي، بل على استعادة الكفاح المسلح الذي غاب لأكثر من ثلاثين عامًا، مما قد يشكل ورقة ضغط إضافية للحصول على حل تفاوضي.”

هل يمثل القرار تحولًا استراتيجيًا؟

في ظل التحولات الجارية، يرى البعمري أن المغرب يسير بخطوات ثابتة لتعزيز موقفه الدبلوماسي داخل إفريقيا، معتمدًا على الشراكات الاقتصادية والتنموية. وفي المقابل، تواجه البوليساريو وحلفاؤها تحديات متزايدة لعزلتهم الإقليمية.

أما ولد الشيخ سيديا، فيؤكد أن “القضية لا تزال معقدة، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية. وقرار غانا، رغم رمزيته، قد يكون قابلًا للتراجع، مما يعكس طبيعة النزاع المرنة والمتغيرة.”

مآلات النزاع في أروقة الدبلوماسية الدولية

قرار غانا بقطع العلاقات مع “البوليساريو” يبرز التحولات الإقليمية التي تصب في مصلحة المغرب، لكنه يكشف أيضًا عن تعقيدات النزاع المستمر منذ أكثر من خمسة عقود. ومع استمرار الدعم الجزائري للبوليساريو، تبقى القضية مفتوحة على احتمالات عدة، سواء عبر تعزيز مبادرة الحكم الذاتي أو عبر تفاوض أممي يسعى لحل دائم ومتفق عليه بين الأطراف.