في لحظة فارقة من تاريخ حضور موريتانيا في المحافل المالية الدولية، جاء تصدّر المرشح الموريتاني سيدي ولد التاه للجولة الثانية من انتخابات رئاسة البنك الإفريقي للتنمية بنسبة 48.41% من الأصوات، بينها 68.42% من الأصوات الإقليمية، كإشارة قوية إلى تحوّل في موازين التمثيل الجغرافي والرمزي داخل واحدة من أهم مؤسسات التمويل والتنمية في القارة.

فمن هو سيدي ولد التاه؟ وما هي خلفيات هذا التقدم اللافت؟ وما الذي يعنيه لموريتانيا ولإفريقيا؟ وهل هو على مشارف تحقيق نصر تاريخي؟ هذه الأسئلة نجيب عنها في هذا التحليل.

رجل الإجماع في لحظة استقطاب

سيدي ولد التاه ليس وافدًا جديدًا على العمل الاقتصادي الإفريقي. فقد راكم خلال العقود الماضية تجربة غنية، بدأها من مناصب عليا في وزارة الاقتصاد والتنمية بموريتانيا، قبل أن يتبوأ إدارة المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا (BADEA)، وهي مؤسسة عربية-إفريقية تمول مشاريع في أكثر من 40 دولة.

يُعرف ولد التاه بقدرته على التوفيق بين توجهات الدول الفرنكوفونية والأنغلوفونية، كما يتمتع بعلاقات وثيقة مع الدول العربية والخليجية الداعمة تاريخيًا للبنك الإفريقي.

دعم إقليمي واسع… ودلالات سياسية

حصول ولد التاه على 68.42% من الأصوات الإقليمية لا يعكس فقط تقديرًا لسيرته المهنية، بل يُبرز تحوّلًا في خريطة النفوذ داخل القارة. فدول غرب إفريقيا، وعلى رأسها السنغال وكوت ديفوار ومالي وبوركينا فاسو، تبدو حريصة على استعادة موطئ قدم قوي في مؤسسة كانت تقودها في السابق نخب من إفريقيا الجنوبية أو الشرقية.

ورغم أن الجولة لم تكن حاسمة نهائيًا، فإن التقدّم الكبير للموريتاني مقارنة بالمرشحين الآخرين – صامويل مايمبو (زامبيا، 36.68%)، وأمادو هوت (السنغال، 9.02%)، وباجابوليل تشابالالا (جنوب إفريقيا، 5.90%) – يمنحه أفضلية تفاوضية قوية في الجولة المقبلة.

موريتانيا في قلب القرار الإفريقي

ليس سرًّا أن موريتانيا كانت – تاريخيًا – على هامش خرائط القرار الإفريقي الكبرى، خاصة في المؤسسات القارية المالية. أما اليوم، فإن ترشيحها الناجح  يُعيدها إلى قلب التفاعلات الإفريقية، ويعزز من حضورها الدبلوماسي في ملفات التمويل، المناخ، والطاقة.

وفي حال فوزه، سيكون ولد التاه أول موريتاني يتولى هذا المنصب، مما سيمنح نواكشوط نفوذًا ناعمًا في هندسة التمويلات الكبرى والمشاريع العابرة للحدود.

معركة الجولة الثالثة: التوازن بين أفريقيا والعالم

ورغم التفوّق الرقمي، لا يزال على المرشح الموريتاني تجاوز تحديات الجولة الثالثة، حيث يُشترط الفوز بنظام “الأغلبية المزدوجة” الذي يفرض الحصول على غالبية أصوات الدول الإفريقية والأعضاء غير الأفارقة (كفرنسا، ألمانيا، الصين، اليابان، كندا…).

لذا، فإن كسب ثقة هؤلاء المانحين يتطلب دبلوماسية مالية رفيعة، وقدرة على طمأنة الفاعلين الدوليين بأن إدارة ولد التاه ستكون رشيدة، ذات رؤية، وغير خاضعة لاستقطابات إقليمية ضيقة.

هل تكتب موريتانيا فصلًا جديدًا في تاريخها الإفريقي؟

بين دعم إقليمي صريح، وتوازن سياسي نادر، يقف سيدي ولد التاه على أعتاب لحظة تاريخية لا تخصه وحده، بل تختزل طموح بلد بأكمله في أن يصبح فاعلًا لا مجرد متلقٍّ في ديناميات التنمية الإفريقية.

فهل يحمل اليوم الذي يلي الجولة الثالثة بشرى تتويج موريتانيا لأول مرة في قمة واحدة من أعرق المؤسسات المالية الدولية؟

الجواب بيد التحالفات الأخيرة… وبيد من يعرف كيف يصنع الإجماع.