في السنوات الأخيرة سطع نجم زعيم حركة “إيرا” بيرام ولد الداه ولد اعبيد، كمعارض راديكالي، بعد سنوات من موالاته و دعمه لنظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدأحمد الطايع، و تعيينه ناطقاً رسمياً خلال رئاسيات مارس 2007 للمرشح الزين ولد زيدان، الذي كان يحظى بدعم و مؤازرة فلول نظام ولد الطائع.
شارك ولد اعبيد في رئاسيات 2014، واحتل المرتبة الثانية، خلف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ثم شارك في الانتخابات التشريعية 2018، وفاز بمقعد في البرلمان الموريتاني، ثم عاد ليشارك في رئاسيات 2019، واحتل كذلك المرتبة الثانية خلف الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
التحول المفاجئ
بعد وصول الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة، في أغسطس عام 2019، لم يكن بيرام بدعا من بقية قادة المعارضة، الذين توافدوا إلى القصر الرئاسي مستفيدين من الانفتاح السياسي الذي أعلن عنه الغزواني، بل ربما كان بيرام أكثرهم تقربا للنظام الجديد، حيث دخل القصر 3 مرات على الأقل بشكل معلن منذ ذلك الحين.. و ذلك بعد قيامه بمحاولة ابتزاز سياسي لحكام موريتانيا الجدد من خلال معارضته لفتح “ملف فساد العشرية”، و هو الموقف الذي جعل حلفائه السابقين في معارضة ولد عبد العزيز يراجعون موقفهم منه.
في نهاية سبتمبر 2019، وبعد تسلم الغزواني للسلطة بحوالي شهرين، التقى الرئيس “المنفتح” بأكبر منافسيه في الانتخابات؛ بيرام ولد الداه ولد اعبيد، وكان اللقاء فرصة لبحث وجود أرضية مشتركة بين الرجلين، ومن هنا بدأ مسار تحول موقف ولد اعبيد من النظام.
وفي أغسطس من العام الموالي، التقى الرجلان كذلك، وكان بيرام واضحا في طلبه الترخيص لحركته الحقوقية، وحزبه السياسي، فيما كانت الزيارة الأخيرة في بداية سبتمبر من عام 2021.
لكن قبل هذه الزيارة الأخيرة، نظم ولد اعبيد في 23 أغسطس 2021، مؤتمرا صحفيا قال فيه إنه يحب الرئيس محمد ولد الغزواني، ويريد له النجاح، والتوفيق فيما أخفق فيه سابقوه، كما أنه لا يحسده، ولا يضع له الشرك والفخاخ و لا يبذر الشوك في طريقه، وينصحه سواء كان معه أو ضده.
وبعد الزيارة، ومع نهاية عام 2021 استلم بيرام ترخيص حركة “إيرا” من مفوض حقوق الإنسان. وفي حفل الاستلام أشاد بيرام بالميزات التي يتمتع بها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ووصفه بأنه صاحب مواقف ويلتزم بتعهداته، مطالبا كافة الموريتانيين بعدم التسرع في الحكم على الغزواني، وتركه ينفذ برنامجه.
وأضاف أن دولة الحريات والديمقراطية تنمو وتتعزز تحت قيادة ولد الغزواني، مشيرا إلى أنه “توأم روحه الذي كان يبحث عنه”.
الوجه الآخر
في اكتوبر 2021، كان بيرام في فرنسا، وقد صرّح في مقابلة مع قناة فرانس 24، أن موريتانيا لم تدخل بعد في مرحلة الإصلاحات التي تنتظرها المعارضة والشعب. و كأنه يستغل فرصة وجوده في الخارج، وحديثه لوسيلة إعلام أجنبية، للتأكيد على موقفه المعارض للنظام القائم في موريتانيا.
وفي منتصف ابريل الماضي، أعاد بيرام تشغيل الشريط القديم، حيث ظهر في أحد مهرجاناته الشعبية. أمام سكان إحدى القرى في ولاية كيدي ماغا، ليؤكد لهم أنه سينجح عبر صناديق الاقتراع في رئاسيات 2024، مشددا بنبرته العنترية على أنه سيسحق من يعرض طريقه، في إشارة إلى الرئيس الحالي ولد الغزواني، الذي يعتبر منافسه الأول، قياسا على نتائج الاستحقاقات الأخيرة.
ربما، لا حاجة إلى تأويل ذلك، فولد اعبيد كان صريحا بقوله أن “المشروع السياسي لولد الغزواني يقوم على سرقة أموال الدولة من طرف أشخاص تتم حمايتهم من طرف القبائل، كما يتم توزيع مقدرات الدولة على هذه القبائل، وهو ما ينعكس في انعدام الخدمات الأساسية لدى العديد من المواطنين، (…) في ملف الفساد، لم يستعد البلد منه أي أوقية، ولم تتم معاقبة أي كان”.
وأضاف: “حزبنا (الرك) هو وحده القادر على هزيمة الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة (…) سنأخذ حقنا في الرئاسة، وسنطبق مشروعنا السياسي (…) لنستلم حكم موريتانيا، ونسير دولتها عبر الأصوات والبطاقات الانتخابية، كيما نتمكن من السلطة، فنقيم العدالة”.
وفي نهاية أبريل كان بيرام يترأس افتتاح المؤتمر الجهوي الأول لحزب الرك في نواذيبو، الحزب الذي لم يحصل على ترخيصه بعد رغم مناورته البرغماتية في التقرب من النظام، فقال إن “المفسدين” الذين تشكلوا عبر الأنظمة المتعاقبة منذ 1978، تسببوا في تضييع مأمورية ولد الغزواني في “الفيافي”.
اليوم الاثنين، 9 مايو 2022، زاد بيرام من حدة خطابه تجاه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، حين وصف قدومه إلى السلطة ب”التناوب المغشوش”، الذي لم يعد مقبولا في أي دولة من دول العالم، مشيرا إلى أن ما حدث 2019 لم يكن سوى ذهاب أمير وتنصيب أمير آخر محله.
ماذا يريد بيرام؟
تصريحات بيرام الأخيرة المناوئة للنظام، جاءت بعد فترة هدنة استمرت لأكثر من عامين، كان هدفها -على ما يبدو- الحصول على ترخيص الحركة الحقوقية والحزب السياسي، و بعض الامتيازات المادية و الإقطاعات العقارية وهو ما تحقق بالفعل لبيرام. ومن خلال كلامه يوم تسليم الترخيص، بدا واضحا أنه حقق مكسبا كبيرا، حيث أصبح بإمكانه أخيرا أن يعقد تجمعات سياسية وحقوقية دون الحاجة إلى ظل جهة سياسية أخرى، ودون مفاجآت من الشرطة.
يمكن القول إن بيرام كان من أكثر المستفيدين من الانفتاح السياسي الذي فرضه الرئيس غزواني منذ وصوله للسلطة، فعلاوة على الترخيص لحركته؛ “إيرا”، والاعتراف به من طرف النظام كشريك سياسي، حصل كذلك، على مكافآت مادية مهمة، تؤكدها مصادر عديدة.
لكن جذوة طموح ولد الداه ولد اعبيدي لم تخبُ في خطابه أمام سكان قرى كيدي ماغا، رغم خيبة أمله في التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس ولد الغزواني مؤخرا، و الذي لم يكن بيرام يخفي طمعه في أن يكون للمحسوبين عليه فيه نصيب من الحقائب.
ظهر بيرام في جولته السياسية الأخيرة، التي قادته إلى قرى الجنوب، وإلى المنقبين التقليديين عن الذهب في الشمال، وكأنه يعارض نظاما لم يتقرب منه في يوم من الأيام، فقد بدت النقمة في كلامه و كأنها سيل هادر يكسر السدود. فلم يألُ بيرام جهدا، في وصف النظام بالفاسد، وتقزيم مكانة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ودوره في إدارة الشأن العام، و كأنه يجبُّ بذلك ما سبق من تمسحه بحذاء الحاكم الجديد.
فهل يعوّل بيرام على ضعف ذاكرة وتدني الوعي السياسي لدى من يستهدفهم خطابه من الشعب الموريتاني؟!.
محمدن محمد فال