ولد الروائي الموريتاني امبارك ولد بيروك في مدينة أطار عام 1957، بدأ تعليمه بدراسة القرآن، ليلتحق بعد ذلك بالمدارس العمومية، التي واصل فيها حتى حصل على شهادة الثانوية العامة.
وتخرج ولد بيروك، بعد إكمال دراساته العليا في مجال القانون بالمغرب، واشتغل بعدها لعدة سنوات في مجال الصحافة، حيث أسس صحيفة “موريتانيا غدا” باللغة الفرنسية عام 1988، وهي أول منبر إعلامي مستقل في البلاد.
فاز الكاتب الموريتاني بجائزة أحمدو كوروما 2016، والتي يمنحها المعرض الدولي للكتاب والصحافة في جنيف تكريما لذكرى الراحل كوروما (1927-2003)، وهو كاتب فرانكوفوني من ساحل العاج ويعد من أبرز الأصوات الأدبية في القارة الأفريقية.
في هذه المقابلة مع مجلة Lecture-Monde، يقدم ولد بيروك نفسه على أنه كاتب باللغة الفرنسية وليس فرانكفونيا.
–ولدت في موريتانيا وترعرعت فيها، كيف كان لقاؤك باللغة الفرنسية؟
لقد ولدت في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، في وسط يعتبر شبه حضري في ذلك الوقت. وقد كان والدي مدرسًا، كما كان لأعمامي دور سياسي مهم في الدوائر المناهضة للاستعمار آنذاك. وعلى غرار كل الموريتانيين، كانت بداية دراستي في المحظرة، ثم في منتصف الستينيات التحقت بالمدرسة العمومية، حيث كان للفرنسية حضور قوي، غير أن ارتباطي الحقيقي بهذه اللغة كان في بداية المراهقة، حين أهداني أبي رواية البؤساء لفكتور هيغو التي قضيت شهرين في اجترارها، والتي أصبني بعدها هذا الشغف الكبير، الذي لم ينطفئ يوما، لفيكتور هيغو وللأدب الفرنسي بشكل عام.
–هل لنا أن تحدثنا عن شعورك ككاتب فرانكفوني؟
هل تتحدث عن شعوري الشخصي؟ ، لم ينتبني أي شعور يوما بالابتعاد عن ذاتي كثيرا وأنا أكتب بالفرنسية. صحيح أني في الأصل أنتمي للثقافة العربية، أو أنا ناطق بالحسانية إن أردت التحديد أكثر، ومهتم كثيرًا بثقافتي، وتقاليدي، وتراثي الشعري، والأدبي، وأعتقد أن هذا الأمر يمكن ملاحظته فيما أكتبه، لكني مع ذلك لا أشعر بأية غربة كانت حين أكتب باللغة الفرنسية؛ بل أزعم أنني نجحت في تكييف هذه اللغة لصالح حساسيتي الثقافية. وأود أيضًا هنا أن أشير إلى أنني لست كاتبا فرانكفونيا (ناطقا بالفرنسية) بل أنا كاتب متفرنس (أكتب باللغة الفرنسية)، ذلك أن اللغة الفرنسية هي لغتي كتابة وقراءة، غير أني في الحياة اليومية لا أستخدم سوى لغتي الأم، كما هو الحال في المنزل ومع العائلة والأطفال والأصدقاء، وحتى في معظم علاقاتي العملية.
– تكتظ رواياتك بالتعابير الشعرية. لماذا هذا الشغف بالقصيدة؟ ولماذا تكتب الشعر في قالب نثري بدلا من كتابة مجموعة شعرية؟
لقد جئت من ثقافة حيث الأدب وحتى الثقافة تعني الشعر، لطالما كان البدو يعظمون الشعر ويحبون الشعراء. بل إن مفهوم الفتوة مرتبط به في الصحراء، إذ من الضروري أن يتقن المرء ليحظى بهذه الصفة،فن النظم. لذلك اتحه الجميع إليه. وهذا هو السر وراء تسميتنا لدى البعض ب “بلد المليون شاعر”. ينطبق هذا الأمر على الشعر الشعبي بالحسانية ، و كذلك على الشعر العربي الفصيح.
وقد يحدث أن أزاوج بين الشعر والنثر في رواياتي. فأنا أحب السرد ورواية القصص وأحب الشعر أيضا، فلماذا أحرم نفسي من هذا الشغف المزدوج؟
–ما السر وراء كون رواياتك تعكس بشكل متكرر الصراع بين الصحراء والمدينة، وبين التقاليد والحداثة؟ هل تعتقد أن مشكلة موريتانيا الكبرى متجسدة في هذه التناقضات؟
من الواضح أن المشكلة الوحيدة في موريتانيا ليست الصراع بين المدينة والصحراء. لكن هذا الصراع جزء من المشكلة. حيث إن الموريتاني يخرج، على الفور كلما سنحت له الفرصة بذلك، من فيلته أو شققته، إلى شساعة الصحراء. فثقافتنا وفنننا وشعرنا ما زال مشبعا بهذا العالم. والعالم القديم يظل حيا ولا يموت ما لم يغادر الذاكرة، بل يظل موجودا جنبا إلى جنب مع العالم الحديث، مساهما باستمرار في تشكيلنا.
–يشيع في روايتك الخيار الفني الذي يعتمد في بنيته على قصتين متوازيتين تتقاطعان في النهاية. ما الذي يجعلك تتبنى هذا الخيار الفني؟
نعم هذا الملمح موجود في روايتي “المنبوذون” الجديدة، ولكنه لا ينسحب على أعمالي، فأعمال من قبيل “فنان الأمير” و رواية “صمت الآفاق” تحكي قضة شخصية واحدة هناك شخصية، كما هو الشأن بالنسبو لروايتي “أنا وحدي” أيضا.
–تحضر الصحراء بكثافة في أعمالك، بل لقد تعاونت في تأليف كتاب بمثابة دليل عن هذه المنطقة (L’Adrar، éd Sépia)، ماذا يمثل هذا الفضاء الصحراوي بالنسبة لك؟
الصحراء حاضرة في رواياتي لأنها حاضرة في حياتي وفي عائلتي وتاريخي الثقافي. تذكر أن موريتانيا بلد صحراوي بنسبة 90 بالمائة. أنا من قبيلة تنحدر من جنوب المغرب، وقد وانتشرت في المنطقة على طريق تجارة القوافل وساهمت في الحروب في جميع أنحاء منطقة الصحراء. لذلك أحب الصحراء وكل شعوبها.
– درست الصحافة وعملت كصحفي. ما سبب ابتعادك عن هذا الحقل؟
في الحقيقية لم أدرس الصحافة، بل أنا خريج القانون. لكنني اعتنقت الصحافة في وقت مبكر جدًا. أنشأت أول صحيفة مستقلة في البلاد عام 1988. واستمريت في ممارسة هذه المهنة لفترة طويلة، لحبي الكبير لها، لكنني اليوم أريد أن أبقى كاتبا قبل كل شيء.
– لقد عشت في فرنسا لفترة طويلة: ما هو شعورك حيال العيش بعيدًا عن موطنك الأصلي؟
ليس هذا الكلام دقيقا، أنا لا أعيش في فرنسا، بل أعيش في موريتانيا ولا أستطيع أن أتخيل العيش في مكان آخر. صحيح أني أحب السفر أحيانًا، لكنني سرعان ما أعود إلى وطني. يا لها من فكرة! أن أعيش في مكان آخر؟، مستحيل!.
ترجمة تقدمي