كلما قرأتُ أو سمعتُ أو استرجعتُ بالذاكرة إحدى مقطوعات امحمدْ التي يذكرُ فيها بعض الأماكن التي عرفها وألِفَها، أحْسَسْتُ إحساساً قويا وكأنه يخاطبُ أشخاصا من خاصته و”تِفِلاشِهِ”، وكأن الأماكن نفسَها تُنْصِتُ بإصغاء وكلها غبطةٌ بتحية شخص من خاصتها و”تفلاشها”، ويزدادُ عندي هذا الشعور كلما اتجه جنوبا صوب منطقة “الخَطْ” و”تِنْيِدِّرْ” وحوض “شَمَامَ”، وأشعر به في الطلعة التالية أكثر من غيرها :

مَرحَبْتِ بيكُمْ مِجتَمْعِينْ

وَسوَ ماهِ ڭاعْ اِدَّيمِينْ

تِظهارِي فِـسَّاعَ وِالحِينْ

لِلِّ خالڭلِي يَـدوَيرَاتْ

اَهل انخيلِتْ سِيدَلَمينْ

وَاهْلْ ادْيارْ الدَّخْلَ لِخرَاتْ

اُيَچچَّيْمْ اُمَشْرَع لُورِينْ

اُيَـبَـبَّرَاتْ اُلِمبَرَاتْ

اُيَـغَـفْـرْ اُتِـنـيِدِّرْ وِالصَّاڭْ

يَزَّ وِكتِنكُمْ بِلَّيعَاتْ

برَّدتُ لخـلاڭ اِفلخلاڭْ

ڭُولولِ لخلاڭْ اِشواسَاتْ

أتذكر أن أحد الإخوة مِن العارفين بالأدب استحسنَ هذا النص غايةً وعلَّق عليه قائلاً : “ليست عيادةَُ النفسِ (لخلاڭْ اِشواسَاتْ؟) من المعهود والمطروق!” …

ومِن شعره الفصيح، يَنتابُنِي ذلكَ الشعورُ أكثرَ في قطعتَينِ شهيرتَين مِن قواسمهما المُشتركة ذكرُ “نهر ثوبانَ”، يقول لمرابط امحمدْ في أولاهما :

على النهرِ مِن ثَوبانَ نفسيَ حنَّتِ 

 وحنَّتْ لأيامٍ كأيَّامِ حّنَّةِ

جذبتُ عِنانَ الشوقِ لو كان نافِعاً 

-إذا عنَّتِ الأشواقُ – جَذْبُ الأعِنَّةِ

لقد خِلتُمُوني جئتُ بِدْعاً وإنَّنِي

على سُنَّةٍ للعاشقينَ مُسِنَّةِ

ويقول في الثانية :

سقَى النخلاتِ اللَّائِي يظهرْنَ مِن بُعْدِ

 إلى النَّهرِ مِن ثَوْبانَ مُرْتَجسُ الرَّعْدِ

تُذَكِّرُنِي تلكَ المعاهدُ دعْدَها 

على حِينَ لا يُلْفَى التواصلُ مِنْ دَعْدِ

و ما كنتُ أهْوَى نَهْرَ ثَوْبَانَ إنَّمَا 

أصابتْهُ عَدْوَى حُبِّها والهوَى يَعْدِي

وإن كانَ مِن نصٍ يقربُ من ذينكَ النصين في ذلك الإحساس، فإنما هو قوله في بيتَين صدحت بهما حناجرُ المُطربِينَ :

أيا نَخْلتَي “لَوْرِينَ” إنِّي على العهدِ

وإنْ كنتما مِنّي على العهدِ في زُهْدِ 

فَمَبْلغُ جُهدي أن سَلامٌ عليكُما

وليسَ يلامُ المرءُ في مَبْلَغِ الجُهْدِ 

مِن المتواتر عندنا أن امحمَّدْ سمع مرَّةً غناءً في الحيِّ فسأل عنه ابنَه الأكبر : محمدْ بابَ، فقال له : هذا امحمدْ “لعوَرْ” بن انگذيْ يُغني بشعر يُنسبُ لكم، فسأله امحمدْ : وما ذلك الشعر؟ فأنشدهُ محمدْ بابَ هذين البيْتَينِ : “أيا نخلتَي لُورِينَ إني على العهدِ …”، حينَها قال امحمدْ ما مضمونه : “لقد قلتُ هذين البيتين على شاطئ النهر وأنشدتُهما شاباً علوياً كان بِجانبِي، ولم أُنْشِدْهُما أحداً بعدَه …

  جمعة مباركة

عز الدين بن ڭرَّاي بن أحمد يورَ