الفضيحة ليست فقط التحرش الذي كشف بعض الصحفيين عن وجوده في أروقة التلفزة الوطنية، فهو، للأسف، من السلوكيات الخطيرة المسكوت عنها في المجتمع، وهو ظاهرة متفشية، في الشارع وفي الأسواق وفي الإدارات، لا يكاد يخلو منه وسط ولا بيئة عمل، ولا تكاد تسلم فتاة ولا امرأة من المضايقات والإهانات، مع ثقة المتحرشين بالإفلات التام من العقاب، نظرا لضعف التشريع، وانعدام العقوبات الرادعة، في ظل خوف الضحايا من الفضيحة والوصم بالعار.

الفضيحة الحقيقية هي استمرار وجود التلفزة الوطنية، كوسيلة للإعلام الرسمي، في العصر الرقمي، في الوقت الذي أصبح المصدر الرئيسي للمعلومات، بالنسبة للموريتانيين، هو وسائل الإعلام الخاصة وشبكات التواصل الاجتماعي، ولم تعد التلفزيونات الرسمية محل إهتمام أحد، فقد عفا عليها الزمن، وأصبحت تُعتبر من المعالم الأثرية.

في الوقت الذي لم تعد الدول الديمقراطية تحتاج إلى امتلاك وسائل الإتصال، لأنها تستطيع التواصل مع الرأي العام عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، أو من خلال وسائل الإعلام الخاصة…ما زالت دولتنا تملك العديد من القنوات التلفزيونية، المسخرة فقط للترويج، والدعاية، والبروباغاندا، وتلميع صورة النظام، وتثمين وتضخيم إنجازاته. ومع ذلك فقد فشلت في رفع مستوى شعبيته، وفي تسويق إنجازاته، كما صرح بذلك الوزير يحي ولد الوقف عندما قال « أن المشاريع المنجزة كثيرة لكنها لم تحظ بتسويق جيد لدى الرأي العام ».

الفضيحة الكبرى هي أن الحكومة لا تزال تصرف على التلفزيون الوطني ميزانيات هائلة، تقدر بالمليارات، في الوقت الذي يحتاج فيه البلد لكل أوقية، لإنشاء مراكز صحية للتصدي للمستوى المخيف لوفيات الأمهات والأطفال الرضع، ولمكافحة ظاهرة العطش التي تجتاح البلاد، عن طريق توسيع شبكات الإمداد بالمياه الصالحة للشرب.

لذلك فعلى الحكومة أن تتحلى بالشجاعة، وتبادر بالقطيعة مع الخيارات الموروثة من الماضي، بإعلان خصخصة جميع وسائل الإعلام العمومية، بدءا ببيع التلفزة الوطنية في المزاد العلني، لا سيما أن هنالك عدة تلفزيونات خاصة، وتستثمر الـمليارات التي تلتهمها القنوات الرسمية، كل عام، في تمويل القطاعات الحيوية، ومعالجة مصادر الفقر الحقيقية.

 

——

محمد المنير
دكتور في العلوم السياسية
خبير دولي في التنمية والحوكمة