خديجة محمد عبده

أنجب بيت الأدب الملائكي فتاتين رائعتين حافظت الكبرى منهما على ميراث أمها وجدتها من الأم مضيفة حلقة جديدة في سلسلة النساء الشاعرات، غير مكتفية بذلك، بل ارتقت بعنقها العراقي لتنقش اسمها على جدار الشعر العربي كرائدة ومبتكرة سيرتبط ذكرها إلى الأبد بالقصيدة الحرة. وعلى الرغم من مقومات نازك الكبيرة والتي تجعل من منافستها أمرا بعيد المنال، إلا أن اختها الصغرى ” إحسان” لم تطمح يوما إلى ذلك، بل اختارت الوقوف إلى صفها وتقديم العون لها ولو من مسافة بعيدة منها خارج دائرة الضوء.

كانت إحسان هي من كتب مقدمة لديوان نازك الأول ” عاشقة الليل” التي أمدتنا بملامح عن سمات شخصية إحسان الناضجة والعميقة وأكثر من ذلك أعطتنا تصورا لعلاقة الأختين، والتي يبدو من خلال كلمات المقدمة أنها كانت خالية من الغيرة أو المنافسة:

“عندما أقدمتُ على كتابة هذه المقدمة، لم يكن يدفعني إلى ذلك مجرد صلة القربى التي تربطني بالشاعرة، بل كان يدفعني قبل كل شيء إعجابي بشعرها، وإيماني بأنها شاعرة موهوبة تستحق التقدير….إلخ”

صورة شخصية مركبة من الأثر الأدبي لإحسان

لم يكن غريبا على إحسان شغفها بالبحث والإنتاج الأدبي، نظرا لكونها تربت منذ نعومة أظافرها في جو ثقافي محفز على الإنتاج، لكنها امتازت عن الآخرين ممن يحيطون بها بحب الفن والميل إلى العزلة. وقد قادها هذا الحب إلى اللاتحاق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، بعد حصولها على شهادة عليا في اللغة العربية وآدابها 1949 وقد عوضت عن عدم إحرازها تقدما في هذا المجال، بترجمة كتب على صلة وثيقة بالفن وخصوصا الرسم كـ” بيكاسو حياة بنكهة المكعبات والنساء”.

وبحسب كتابات إحسان التي لم تخرج إلى النور إلا بعد وفاتها، فقد كانت شخصا شديد العبقرية واللامبالاة، يجد الطمأنينة في التأليف والبحث كما أسلفنا. إذ أنها أنجزت دراسة تاريخية نالت إشادة واسعة، حيث تقفت فيها أثر الفلسفة والتصوف في مقارنة بينت انعكاس الخطابين على حياة الأفراد اقتصاديا واجتماعيا واستخداماتهما السياسية في حدود جغرافية امتدت على طول القارة الآسيوية

وقد أشارت في كتابها -بلا مبالاة- إلى عبقريتها اللغوية، حيث قالت إنها تعلمت التركية وبعض اللغات الأخرى خوفا من خيانة النص وكرها في الحاجة إلى وسيط يكون بينها وبين الكلمات.

نهاية مظلمة

 

ظلت إحسان المولدة 1923 تمارس شغفها في الكتابة إلى أن أظلمت عيناها 2009 وكانت آنذاك تكتب لجريدة المدى، ثم أصيبت في ديسمبر من السنة نفسها بجلطة دماغية وضعت حدا لعمل حواسها لتنتقل إلى باريها في إبريل 2010 تاركة خلفها 15 مؤلفاً غير منشور، ومذكرات مفصلة في 20 كراساً، لتقول للعالم” أن الأديب لا يتوقف عن الإنتاج إلا عندما يتوقف عن التنفس”