سيدة يشهد العارفون بها بتميزها… تسلقت سلالم النجاح بخطى حثيثة.. و نصبت لنفسها هدفاً في أن تحقق في حياتها شيئا، فحققت أشياء.
تخرجت من “تكوين المعلمين” وهي ذات ثمانية عشر ربيعا، فكان فاتحة ولوجها للوظيفة العمومية.. لتكون محطتها الأولي للتدريس في مدينة أطار، ثم في إدارة مؤسسة تعليمية في نواكشوط.. عاشتها ثمان سنوات في حقل التدريس، تعلمت فيها الصبر و الأناة ومساوراة الأيام، و تذليل الصعاب.. فكانت تحصل في كل عام على تكريم يحتفي بأدائها الإداري المتميز، ” تعلمتُ الكثير من انخراطي في سلك التعليم، مديرةً ومدرسةً.. تعلمت المسؤولية و الالتزام، فقد كنت أدير مدرسة يدرس فيها 17 معلما، وكان عليّ فيها أن أكون قدوة للتلامذة في سلوكي و أخلاقي”.. تقول بنت احمدناه.
هي تجربة واكبتها إرادة في السير إلى الأمام، فسجلت بعد حصولها على الباكلوريا في جامعة نواكشوط، حيث حصلت على شهادة الماتريز في الإدارة المحلية بتقدير “جيد”، لتنتقل للعمل في وزارة الداخلية.. عيّنت في 2005 رئيسة مصلحة الشؤون السياسية التابعة للإدارة العامة للشؤون السياسية والحريات العامة، حيث ولجت عالما إداريا مختلفا، تعلمت فيه اشياء جديدة.. خصوصا أنه تزامن مع ظرف سياسي تشهد فيه البلاد تحولات جديدة، بعد الانقلاب على ديكتاتورية عمّرت عشرين عاما، و وعود من قادة البلاد الجدد بربيع ديمقراطي يزهر بالحرية و الرخاء.. فباشرت في مصلحتها الجديدة عالم الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
كانت طريقة بنت حمدناه هي الاعتماد على آراء الخبراء، واستشارة أولي العلم في كل الملفات المٌُوكَل إليها معالجتها.. و تقول زينب “إنه من حظها أن جعل الله في طريقها إداريا مخضرما مثل سيدي يسلم ولد اعمر شين، تعلمت منه الكثير”.
و كان من أهم ما يميز زينب في مسيرتها الإدارية ذكاءها و شجاعتها في الاعتراف بنقاط ضعفها مما يحوّلها تلقائيا إلى نقاط قوة.
بعد ثلاث سنوات من رئاستها لمصلحة الشؤون السياسية، تم تعيين بنت حمدناه مديرة مساعدة لذات الإدارة: إدارة الشؤون السياسية والحريات العامة، التي ستتحول فيما بعد لتصبح “إدارة ترقية الديمقراطية و المجتمع المدني”.. لتعود فيما بعد لاسمها الأول.
كانت فترة طبعها الانفتاح على الحريات، و اتخاذ نمط جديد في التعامل مع الأحزاب السياسية و جمعيات المجتمع المدني.
لا تزال بنت حمدناه تتذكر أيام المادة (11).. و أكوام الصحف التي كانت تتراكم أمامها، منتظرة الترخيص بتوزيعها. فقد وجدت نفسها في قلب أهم فترة سياسية تمر بها البلاد، فكانت المسؤولة عن علاقة الدولة بالأحزاب السياسية، كما واكبت من موقع المسؤولية ظروف الاستفتاء على الدستور، وتنظيم الانتخابات التشريعية و البلدية، ثم الانتخابات الرئاسية بشوطيها.
انتقلت بنت حمدناه لتجربة أخرى في الإدارة الأقليمية أكثر ثراء بتعيينها “حاكما” لمقاطعة تفرغ زينه، لتكون أول “حاكمة” أنثى في موريتانيا، حيث أصبحت تسهر على أمن أخطر مناطق العاصمة، لما تحويه من سفارات أجنبية و أسواق و مساكن السياسيين و رجال الأعمال.. وهي تجربة أضافت لها رصيدا من الصبر والمثابرة و دقة رصد الأمور ومتابعتها.
ولم يكن الجانب الأمني وحده ما أرق بنت حمدناه، فقد كانت النزاعات العقارية ومتابعة حركة العمران و محاربة ضبطها هي صداع زينب الملازم لها، طوال عملها بتفرغ زينه.
انتقلت بنت حمدناه لمنصب ولاية لبراكنه، لترفع التحدي بتسييرها شؤون ولاية حدودية، ذات حجم ديمغرافي كثيف و متنوع.. في فترة كانت تواجه فيها الولاية تحديات جيو سياسية، من بينها عودة اللاجئين ( فقد اشرفت بنت حمدناه خلال فترة ولايتها على عودة 14 ألف مبعد من السنغال)، كما عانت لبراكنة أيضا خلال فترتها تدفق أمطار وسيول، أحسنت الوالية الشابة تسييرها بعطاء الشباب وحيويته.
كانت لديها فلسفة راسخة في أن تتحمل مسؤولية ما تقوم به، إن مدحا و إن قدحا.. و أن ترفض الخضوع للابتزاز، إذ كانت رؤيتها الثاقبة تقول “إن الخضوع للابتزاز مرةً، يجعله يتكرر مرتين”..
لم يكن يهمها الحفاظ على المنصب، بقدر ما كان يهمها ان ترضي ضميرها و كرامتها.
كان منهجها في العمل إشراك فريقها واستشارته و منحه الصلاحيات الكافية لأداء أي مهمة تّوكل إليه..
كانت ملكة نحل في خلية لا تعرف السكون ولا التثاؤب.
تمت إقالتها في ظروف غامضة.. ولكنها ألقت عصا تسيارها في مرابع الاتحاد من أجل الجمهورية، مؤكدة على قناعتها به، وبخطه السياسي.
المشوار طويل، متشعب، أمام بنت حمدناه.. فطموحها لا يعرف النهاية، وقاموسها لا يحوي “المستحيل”.. والمرأة في نظرها صٍنو الرجل، و “إن كان من بين الوظائف ما لا ينبغي أن يوكل للمرأة، لمشقته و إجحافه بأنوثتها، غير أنه ليس من بينها “الإدارة”.. بل على العكس فإدارتها للبيت عنوان إدارتها للشأن العام”.
زينب بنت حمدناه، هي التأكيد الحي على أن “الخير كل الخير في عصر الشباب”.